وأنقل الآن شاهداً واحداً لتعرفوا به لماذا يدافع
هاشم الرفاعي وأمثاله عن
علوي مالكي:
هناك كتاب
للرفاعية نقل منه
الرفاعي، وجعله من مراجعه في الأخير وهو كتاب
طي السجل الذي نقلتُ منه بعض الأشياء فيما تقدم، وسأنقل لكم منه قضية هذا المؤلف عندما حصل على درجة القطب الأعظم أو الغوث الأعظم، وسنعرف عند تفصيل رجال الغيب قيمته، وما هي مهمته بالنسبة لرجال
الصوفية.
يقول هذا الروَّاس:
''سرٌّ غريبٌ، جئتُ من مدينة سيد الأنام عليه من ربه أفضل الصلاة وأكمل السلام إلى بلد الله الحرام، فبعد أن دخلتُ الحرم المحترم، وقفتُ تجاه المشهد الإبراهيمي المكرَّم، كشف الله لي أغطية الأكوان علويَّها وسفليَّها!! فطافت همّتي في زواياها، وكُشفتْ حجب خباياها، ورجعت عن كلِّها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنيَّة بسر قول الله:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً))[الفجر:27-28] وقد تدلَّتْ هناك إلى قلبي قصص السموات -لا أدري ماذا يريد بهذا- منحدرةً مِن ساحل بحر قلب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد شخصتْ إليَّ الأبدال، والأنجاد، ورجال الدوائر، وأهل الحضارات، وأرباب المكاشفات، والمقرَّبون مِن عوالم الإنْس والجن، وفقهتُ نطق الجمادات الظني ولغات الطيور، ومعاني حفيف الأشجار والنباتات، ورقائق خرير الماء، ودقائق صرير الأقلام، وجمعتُ شفاف الرموز، فكنتُ أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة، وانفسح سمعي فوعتْ أذني أصوات النَّاطقين والمتكلمين على طبقاتهم واختلاف لغاتهم مِن مشارق الأرض ومغاربها، ومزقتُ بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومَنْ عليها ذرةً ذرةً، وتصمتتْ همتي فانجدلتُ في الكل تمريراً لحكم التصرف بمنـزلة الغوثيَّة الكبرى، والقطبيَّة العظمى!''
أقول: يريد أن يقول هذا تمريراً لكي يتصرف في الكون، ويصبح الغوث الأكبر، والقطب الأعظم الذي يتصرف في الكون كله - بزعمهم، والعياذ بالله - كما سنوضح ذلك إن شاء الله.
يقول: ''وحملتْني أكفُّ عناية سادات النَّبيِّين والمرسلين، وأغاثتْني في كل حركةٍ وسكنةٍ إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممتُ مناسكي، وإذا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشُحنة الجمْع، وعالم الفرْق، وقيل لي: سِرْ على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم'' يعني:
القسطنطينية مقر الدولة العثمانية؛ لأنَّ هذا يكتبه في آخر أيام سلاطين الدولة العثمانية.
قال: ''فانحدرتُ بعد أداء ما وجب إلى
مصر، ومنها إلى
الشام، ومنها إلى مرقد الإمام الصيَّاد -الذي ينـتسب إليه
الصيادي، مؤلف الكتاب عن الرفاعي- وجددتُّ العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمتُ مِن حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلتُ إلى "
جسر الشغور" -بلد في
سوريا- ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة اسمها "
كفر ذبين" وأنا في حال جمعٍ محمَّدي، وأقف على ظهر جامع خربٍ طُويت أخباره، وانطمست بالتراب آثاره، فنوديتُ بالغوثيَّة الكبرى مِن مقام التصرف - أي: نودي بأنَّه الغوث الأكبر من مقام التصرف في هذا الجامع الخرب وهو هناك بـ
الشام!! كيف نودي؟ - يقول: أبصرتُ العَلَم المنتشر بالبشرى وقد رفعه عبد السلام أمين حراس الحضرة النبوية من أولياء الجنِّ!!''
عبد السلام هذا أمين حراس الحضرة النبويَّة مِن أولياء الجنِّ رَفع له العلم مِن
المدينة -وهو هناك في
الشام- علم الولاية، مقام التصرف وأنه أصبح الغوث الأكبر والقطب الأعظم.
يقول: ''فانعطفتْ إليَّ أنظار الصدِّيقين، وتعلقتْ بي قلوب الواصلين؛ فسجدتُّ لله شكراً، وحمدتُّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نِعَمَه، وعظيم كرمه، وسرتُ، ولمحل ندائه معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربي بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد، قاله الله - هكذا - وانتهيتُ في سيري من طريق "الكلب" إلى "عين تاب" و"مرعش" ثم إلى "آل البستان"، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة "صانصول"، ودخلت اللجة - يعني: البحر - أفجُّها فجة فجة، حتى انتهى الثور المائي إلى
القسطنطينية...'' - إلى أن يقول: ''وفي
القسطنطينية قابل السلطان '' - إلى أن يقول:
''واجتمعتُ بِها على الخضر عليه السلام ست مرات، فيالله مِن حكم سماويَّة تنـزل مِن لفاف دور القَدَر يمضيها الحُكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً، وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق، له الحكم وإليه ترجعون'' اهـ.
ثم يتحدث طويلاً، والمهم أن هذه هي قضية بيعته، وكيف بويع، وهذا
الرفاعي هو الذي ينقل عنه
هاشم الرفاعي كما قلنا ويؤيد كلام
المالكي.
فإذاً لا نستغرب منه أن يؤيد ما يتعلق برؤيتهم النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخاطبتهم له، وهذا طريق حراس حضرتهم من الجن يرفع الولاية، وهو أيضاً كما يقول: يبشر هذا الرجل بالولاية الكبرى، بل إن هناك ما يخبر بأن هذا الجامع الخرب الذي عين بيع فيه بالقطبية العظمى والولاية الكبرى سوف يعمر.
هذا غيضٌ مِن فيضٍ، والأمثلة كثيرة جدّاً لكن لا أريد أن أستغرق فيها؛ لأنَّنا نريد أن نـنـتقل إلى موضوعٍ أكثر تفصيلاً وهو: حقيقة سُلَّم الترقِّي عند
الصوفية! وكما قلت ليس مَن يحضر العشاء أو يتعاطف معهم هو منهم، بل هناك درجات، وهناك شكل هرمي معيَّن يترقَّون خلاله، وهو مما يزيدنا تأكيداً وإلحاحاً على أن هؤلاء القوم
باطنية زنادقة؛ لأنَّ نفس هذا الترتيب موجود عند
الباطنية.